05 - 05 - 2025

اقرأني لتراني | حكاية  هناء عبد اللطيف واستدامة التعليم!

اقرأني لتراني | حكاية  هناء عبد اللطيف واستدامة التعليم!

فى مدينة كفر الزيات، المدينة الصغيرة الصناعية والحيوية فى قلب الدلتا، حيث لايزال التعليم الحكومى هو نافذة التعليم  الوحيدة المتاحة لآلاف من الطالبات، وحيث تنفصل البنات عن البنين بدءًا من المرحلة الاعدادية، فى  مدينة كفر الزيات يعرفونها: الحاجة هناء عبد اللطيف، مدرسة اللغة العربية فى مدارس البنات الثانوية والإعدادية منذ منتصف الستينيات. وقتها كان مستغرباً أن تتخصص النساء فى اللغة العربية، وأن يكن أيضاً خريجات كلية الاداب قسم اللغة العربية. بينما تربع على عرش اللغة العربية فى المدارس فطاحل اللغة من خريجى الأزهر ودار العلوم من الرجال الأفاضل الذين يتحدثون العربية الفصحى بطلاقة العامية، دون خطأ واحد.

الحق أنها حين التحقت بقسم اللغة العربية جامعة القاهرة عام 1959كانت عيناها على الإذاعة المصرية بفنونها ولم يكن التدريس من أهدافها. فى هذا  المجال الصعب دخلت الشابة الجميلة الدافئة، متخليةً عن حلم الاذاعة ومسلمةً الأمر لله وهى تمتليء شغفاً و إقبالاً على الحياة، وتذوب عشقاً فى الوطن لتقتحم فى بساطة قلوب تلميذاتها وزملائها ولتثبت أن التفوق لا علاقة له بذكر أوأنثى بقدر علاقته الإخلاص والشغف. أجيال من الطالبات تتلمذن على يديها، تعلمن ما هو أكثر من اللغة ، تعلمن استدامة التعليم واستمرارالأمل. آمنت المعلمة الفاضلة أن أهمية التعليم الحقيقية تكمن فى بناء الشخصية، بث الثقة، التشجيع، العطف والحنو والأخذ بيد الطالبة، كانت حاسمة فى رفق، ورقيقة  فى قوة، تضع المناهج نصب عينيها جنباً إلى جنب مع استقامة الشخصيات وتعرف بفطرتها السليمة معنى الاستدامة قبل أن يصوغه الغرب بسنوات طويلة، بخبرتها فهمت حجم الضغوط التى تتعرض لها المرأة فى مجتمعنا ومدت المساعدة للجميع دون ضجيج أو شعارات.

أحدثت الحاجة هناء فرقاً واضحاً فى دوائرها، فالشغوف الموهوب يتميز حتى فيما هو اعتيادى. على يديها تحولت الإذاعة المدرسية إلى قناة مدرسية محلية ينتظرها الجميع كل صباح وتكتشف فيها الطالبات أنفسهن. ولتكتشف الاستاذة هناء نفسها أن التدريس كان رسالتها من البداية حتى لو تمنت الإذاعة فى صباها.

ولاجتهادها، ولحظها الطيب فى زوج آمن بقدراتها وأمن ظهرها، ترقت فى المناصب الادارية حتى صارت مديرة المدرسة، نفس المدرسة التى بدأت العمل بها شابة من عقود خلت، وصار بإمكانها أن تطبق سياسة استدامة التعليم على نطاق إدارى أوسع. لم تخلٌ تجربتها الإدارية من متاعب ومصاعب وضيق الإمكانات وجمود العقول ولا بالطبع من الغيرة المهنية والمضايقات المعتادة، لكنها بحكمتها أحياناً، وبالدفع بالتى هى أحسن أغلب الأحيان استطاعت دائماً كسب محبة واحترام خصومها، بل وإخراج أجمل مافيهم من إنسانية ومحبة، وظلت عضواً أساسياً فى مجالس الآباء فى المدرسة ستة عشرعاماً بعد خروجها على المعاش، تفيد بالفكرة والنصيحة والطاقة الايجابية.

يوم وافتها المنية، كان المسجد يتلألأ بأنوار إضافية، أنوار ألقتها فى عقول وقلوب الآلاف ممن مرت بهم فى حياتها، أنوار تنتقل من قلب لقلب وتؤكد معنى الاستدامة.

هذه هى الاستاذة هناء عبد اللطيف، الحاجة هناء كما كانوا ينادونها، حكاية أمى!

مقالات اخرى للكاتب

فى رثاء الخالة: متلازمة الصدمة